بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى(أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم
مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ
وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ
آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ
)البقرة 14
يقول تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ } قبل أن تبتلوا
وتخبروا وتمتحنوا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم، ولهذا قال {وَلَمَّا
يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ
الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء } وهي الأمراض والأسقام والآلام والمصائب
والنوائب.
قال ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير ومرة الهمداني
والحسن وقتادة والضحاك والربيع والسدي ومقاتل بن حيان {الْبَأْسَاء }
الفقر {وَالضَّرَّاء } السقم {وَزُلْزِلُواْ } خوفاً من الأعداء زلزالاً
شديداً، وامتحنوا امتحاناً عظيماً، كما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن
الأرت، قال: قلنا: يارسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا ؟
فقال: «إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى
قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا
يصرفه ذلك عن دينه» ثم قال «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب
من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم
تستعجلون»
وقال الله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ
ءامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ } وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة رضي الله تعالى عنهم في
يوم الأحزاب، كما قال الله تعالى: {إِذْ جَاءوكُمْ مّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ
أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الاْبْصَـارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ با للَّهِ الظُّنُونَاْ * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ
الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ
الْمُنَـافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } الآيات.
ولما سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه ؟ قال: نعم. قال فكيف كانت الحرب
بينكم ؟ قال سجالاً، يدال علينا وندال عليه. قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون
لها العاقبة. وقوله {مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } أي
سنتهم كما قال تعالى: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَى
مَثَلُ الاْوَّلِينَ } وقوله {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرُّسُلَ
وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ } أي يستفتحون على
أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة، قال الله تعالى:
{أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } كما قال {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } وكما تكون الشدة ينزل من النصر
مثلها، ولهذا قال {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } وفي حديث أبي رزين
«عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه، فينظر إليهم قنطين، فيظل يضحك يعلم أن
فرجهم قريب» الحديث.
(تفسير ابن كثيــــر)